سلسلة رموز فلسطينية (100)... المؤرخ سلمان أبو ستة
كان لي شرف التعرف عليه عن قرب وحضور ندوات ترأسها، هو مؤرخ فلسطيني ودكتور في الهندسة.
ولد الدكتور سلمان أبو ستة في مدينة بئر السبع جنوب فلسطين المحتلة عام 1937، ويعتبر من أكثر الباحثين المتخصصين بقضايا اللاجئين الفلسطينيين وجوهرها حق العودة. وقد دفعه للبحث والكتابة عن القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني تنكر بريطانيا لفلسطين الوطن والشعب، وقد تلمس ذلك من خلال احتكاكه بمؤسسات بريطانية حين وصوله إلى بريطانيا في الستينيات من القرن العشرين للإقامة بغرض استكمال الدراسة. ومنذ ريعان شبابه أدرك أبو ستة أهداف الحركة الصهيونية بموشورها الخبيث، الإستيلاء على أرض فلسطين، وطرد أهلها منها، وصولاً إلى محاولة مسح تاريخها وتزييفه وتهويده في نهاية المطاف. ولهذا بدأ منذ أكثر من أربعة عقود التحضير لبحوث تخدم حقوق الشعب الفلسطيني في وطنه الوحيد فلسطين وتدحض في ذات الوقت مقولات الحركة الصهيونية وإسرائيل حول فلسطين،وتبعاً لذلك جال عدة دول ومؤسسات،بهدف جمع الوثائق والخرائط عن فلسطين وشعبها، ومنها إضافة بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا،إضافة إلى مكتبة الكونغرس الأمريكي التي يعتبرها المؤرخ سلمان أبوستة ثرية بالتراث الفلسطيني ؛ في حين أكد أن تركيا تحتفظ بالسجلات العثمانية، وهي أكبر وأهم مصدر معلومات عن فلسطين وشعبها، ولكنها باللغة العثمانية القديمة وبالحرف العربي. وبعد البحث والجهد الطويل والممنهج، أصدر المفكر المؤرخ أبوستة في عام 1998 خريطة فلسطين التاريخية عن مركز العودة الفلسطيني في لندن، حيث توضح خلالها التوزع الديموغرافي للفلسطينيين وكذلك المستوطنين اليهود وشرح فيها إمكانية العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم بالأرقام والمعطيات والحقائق الدامغة،وتمّ توزيع الخريطة بالآلاف على كافة التجمعات الفلسطينية داخل فلسطين وخارجها، كما صدر للباحث عدة كتب كان من أهمها:
حق العودة مقدس وقانوني وممكن (2001)، وصدر عن المؤسسة العربية في بيروت وتمّ التوزيع بالعربية والإنكليزية عن طريق مركز العودة الفلسطيني في لندن. والكتاب عبارة عن عدة بحوث ألقاها أبوستة في مؤسسات وهيئات عربية ودولية مثل، مجلس العموم البريطاني والكونغرس الأمريكي والاتحاد الأوروبي. وطريق العودة؛ هو دليل المدن والقرى المهجرة والحالية والأماكن المقدسة في فلسطين (2007)، وقد صدر عن مؤسسة فلسطين للثقافة، ووزع الدليل بشكل كبير بين تجمعات اللاجئين الفلسطينيين ولجان حق العودة التي تشكلت إثر اتفاقات أوسلو في عام 1993.
سجل النكبة 1948، وقد صدر عام (2000)، عن مركز باحث للدراسات في بيروت،إضافة إلى ذلك صدر للباحث أبوستة عدة تقارير وبحوث حول حق العودة باللغة الإنكليزية.وعقد الباحث أبوستة عدة ندوات في عدة دول عربية وأوربية، شرح من خلالها إمكانية عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم بالاعتماد على خريطة فلسطين. ودحض خلال المحاضرات فوبيا دولة الاحتلال من الديموغرافيا الفلسطينية. ولدعم إستراتيجية توجهاته البحثية لخدمة القضية الفلسطينية، شكلّ الدكتور سلمان أبو ستة هيئة ارض فلسطين لترسيخ فكرة أن فلسطين هي وطن الفلسطينيين، والهيئة مسجلة في العاصمة البريطانية لندن.
بعد ثلاثة عقود من البحث والتمحيص وجمع الوثائق حول فلسطين من جهات الأرض الأربع، استطاع المفكر والمؤرخ الدكتور سلمان أبوستة إصدار أطلس فلسطين الذي يغطي الفترة مابين الأعوام (1917 -1966)، عن هيئة أرض فلسطين في لندن خلال عام 2010 باللغة الانكليزية، وباللغة العربية عام 2012. وضم الأطلس بأجزائه الثلاثة عددا كبيرا من الوثائق حول فلسطين، بعد التمحيص والتدقيق والمراجعة وإزالة الشوائب منها وإكمال النواقص فيها، ثم رسمها في خرائط متكاملة أدت في النهاية إلى أطلس فلسطين الذي سجلّ (1200) مدينة وقرية و(16) ألف معلم ديني وتاريخي،فضلاً عن (30) ألف اسم مكان في على امتداد المساحة الجغرافية التاريخية لفلسطين البالغة(27009) كلم مربع. وقسمّ الأطلس إلى ثلاثة أقسام، غطت بمجملها مرحلة الانتداب البريطاني والنكبة بتفاصيلها، وما حدث للاجئين وتشردهم في بلاد العالم، ثم ما حدث للأراضي الفلسطينية في الفترة التي تلت إنشاء إسرائيل في أيار /مايو من عام 1948.
أطلس فلسطين
في هذا السياق تشير دراسات مختلفة إلى أن عدد الفلسطينيين الذين طردوا بقوة المجازر والحرب النفسية كما أكد ابوستة خلال العام المذكور وبعده (850) ألف فلسطيني ؛كانوا يشكلون (61) في المائة حسب تقديري انا كاتب هذه السطور من اجمالي مجموع الشعب الفلسطيني عام 1948 والبالغ مليون وستمائة الف فلسطيني؛ أصبحوا الآن في عام 2025 أكثر من سبعة ملايين لاجئ فلسطيني ، في مقابل ذلك تمّ طرد (460) ألف فلسطيني من الضفة الغربية وقطاع غزة إثر احتلال الجيش الإسرائيلي للمنطقتين في الخامس من حزيران /يونيو من عام 1967.
وقد وصل مجموع النازحين من الضفة والقطاع إلى الخارج اكثر من مليوني ونصف المليون نازح ومن بينهم في عداد اللاجئ ، ولهذا يمكن الجزم أن غالبية الشعب الفلسطيني هم ضحية الترانسفير الصهيوني واقتلاعهم من وطنهم الوحيد فلسطين.
لابد من القول أن أطلس فلسطين، هو عمل موسوعي وموثق بشكل ممنهج ومدروس ويستحق من قبل الباحثين والمؤسسات وأصحاب الرأي والفكر والسياسة التوقف عنده والإفادة منه.
لقد توجّ المؤرخ الباحث سلمان أبو ستة سنوات بحثه واهتمامه وإنتاجه الغزير حول أثر النكبة على فلسطين وشعبها، وحول الأرض الفلسطينية من ناحية الملكية ومن كل الزوايا القانونية والحقوقية، إضافة إلى أحقية حق العودة للاجئين الفلسطينيين وإمكانيته، توج ذلك كله بإصدار هذا الأطلس الكبير للمكتبات العربية والغربية على حد سواء. واللافت أن أبوستة أرخّ لتداعيات نكبة 48، وأوضح بالوثائق والخرائط والصور، الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني كنتيجة مباشرة لإنشاء إسرائيل على (78) في المائة من مساحة فلسطين التاريخية في عام 1948 وبدعم مطلق من دول غربية، في المقدمة منها، بريطانيا وفرنسا أمريكا.
ويضم أطلس فلسطين (428) صفحة من القطع الكبير، وقد سلط الباحث أبوستة الضوء خلاله على المشروع الصهيوني في فلسطين الذي ارتكز في جوهره على انتزاع الأرض من أصحابها الأصليين ثم طردهم وجذب مزيد من يهود العالم اليها ليكونوا المادة البشرية لإسرائيل فيما بعد. وتكمن أهمية الأطلس إضافة لكونه مرجعا، أنه يصلح أن يكون مستنداً لمرافعة حقوقية وقانونية مدعمة بالحجج التاريخية والأدلة الموثقة على فلسطينية فلسطين وعروبتها وهشاشة الأساس الأخلاقي أو القانوني للمشروع الصهيوني برمته.
بعد الإطلالة على أهم أبحاث المفكر والمؤرخ الفلسطيني الدكتور سلمان ابوستة، والتي تركزت بمجملها على القضية الفلسطينية، وخاصة جوهرها قضية اللاجئين الفلسطينيين واستلاب فلسطين بعد طرد غالبية أهلها، يمكن إعتماد الفلسطينيين عليها بشكل كبير في مقاضاة إسرائيل وتجريمها، وقد يعزز هذا الخيار تجريم قادة اسرائيلين من قبل منظمتي الجنائية والعدالة الدوليتين وفي مقدمتهم رئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو ووزير الدفاع السابق يؤاف غالانت.
كان لي شرف المشاركة في ندوتين تراسهما الدكتور سلمان الاولى في لندن عام 2003 حول حق العودة والثانية في الاردن حول الذاكرة الفلسطينية ؛رعاك الله دكتورتا ومؤرخنا الغالي سلمان ابوستة وأمدك بثوب العافية ،وانت من اهم حراس حق العودة للاجئين الفلسطينيين الى وطنهم الوحيد فلسطين .
بقلم الكاتب: أ.نبيل محمود السهلي