خارطة المدن الفلسطينية

اشترك بالقائمة البريدية
معلومات عامة عن قرية النعاني
روايات أهل القرية - النعاني - قضاء الرملة
من مخيم الأمعري جنوب مدينة البيرة في الضفة الغربية المحتلة، كانت البداية. هناك، حيث يقيم الحاج محمد سليمان خضر لاجئا منذ نكبة عام 1948، لم يتخلَّ يوما عن حلم العودة إلى قريته المهجّرة «النعاني»، الواقعة إلى الجنوب الغربي من مدينة الرملة. يقول الحاج محمد، وقد تجاوز الخامسة والثمانين من عمره: «غادرنا البلاد وكان والدي لا يزال على قيد الحياة، ثم استُشهد لاحقا، في عام 1951. وُلدتُ في عام 1940، وكان عمري حينها ثماني سنوات. كنت مع شقيقتي ووالدتي، وتركنا كل شيء خلفنا. خرجنا كما ولدتنا أمهاتنا، ألقَوا بنا في وادي الكباب، ومن هناك تابعنا سيرا على الأقدام إلى يالو، حفاةً على الطرقات، إلى أن التقينا بالجيش الأردني، فحملونا وأوصلونا إلى رام الله.»
إلى الشتات
قرية النعاني، الواقعة على بُعد 8 كيلومترات جنوب غرب مدينة الرملة، لم تكن مجرد نقطة على الخريطة، بل كانت مجتمعا فلسطينيا متماسكا يفيض بالحياة. بلغ عدد سكانها، قبل النكبة، قرابة 1500 نسمة. احتوت على جامعَين ومدرسة ابتدائية التحق بها أكثر من مئتي تلميذ عام 1947. اعتمد السكان على الزراعة، ولا سيما زراعة الحبوب والحمضيات، وكانت أرضها خصبة، تشتهر ببئرها القديم الواقع إلى الجنوب من القرية.
غير أن هذا الواقع تغيّر في صيف عام 1948، حين اجتاحت القوات الصهيونية القرية، وشرّدت سكانها، ودمّرت منازلها، ولم يتبقَّ فيها سوى أطلال مدرسة مهدّمة، وبئر، ومحطة قطار مهجورة.
بعد نكسة عام 1967، سنحت للحاج محمد فرصة العودة إلى قريته سرّا. ويتحدث عن تلك اللحظة بنبرة يغلب عليها التأثر:
«كنت أول من عاد إلى النعاني بعد سنوات طويلة من الاحتلال. دخلتها بمفردي، دون أن أخبر أحدا من أهلي. قضيت فيها ثلاث ليالٍ في المحطة القديمة. كنت أشعر بأن لديّ مهمة، وأن لروحي هدفا. دخلت القرية من جهة مدينة اللد، وقد غطيت رأسي بالكوفية. وصلت إلى البئر، وشربت من مائها، وسرت بين أطلال المنازل المهدّمة. كانت القرية مهدّمة بالكامل، ولم يبقَ منها سوى الجامع والمدرسة والبئر.»
حين استوقفته دورية إسرائيلية وسألته عن أصله، أجاب بثقة: «أنا من هنا، وُلدت هنا.» لم يصدقوه، وقالوا له: «كان ذلك في الماضي، أما اليوم فقد تغيّر كل شيء». لكنه أصرّ على موقفه وقال: «لقد شربت من هذا الماء، وزرعت البطيخ في هذه الأرض، وقطفت منها الشمّام والبرتقال والليمون.»
يمسك الحاج محمد بكتاب قديم، للباحث الفلسطيني المرموق الدكتور سلمان أبو ستة، صاحب «أطلس فلسطين»، يوثّق فيه تاريخ قريته. يقول إنه يحتفظ به كوثيقة لا تُقدّر بثمن، ويعلّق: «بعض الناس عرضوا علينا أن نبيع الأرض، لكننا رفضنا. الأرض شرف، لا تُباع.»
«أقول لأبنائي وأحفادي: أنا من النعاني. هذه قريتنا، وهذه حكايتنا. من يتخلى عن أرضه، يتخلى عن شرفه. الأرض ليست ورقة، بل بصمة. وإن لم أعد إليها بجسدي، فسأعود بروحي.»
أثر لا يُمحى
تعود أصول قرية النعاني إلى عصور كنعانية سحيقة. على بُعد كيلومتر إلى الجنوب منها، يقع تل الملاط، حيث كانت تقوم بلدة «جبثون» الكنعانية. ويزخر المكان باللقى الأثرية، من شقف الفخار إلى بقايا البرك، ما يدل على أن هذه الأرض مأهولة منذ آلاف السنين. وبعد احتلال القرية، أُقيمت على أراضيها مستعمرتان إسرائيليتان، هما «راموت مئير» و»مازكيرت باتيا». أما اسم «النعاني» فقد بقي يُطلق على مستعمرة أُقيمت شمال القرية الأصلية في عام 1930، ضمن مشروع مبكر لتهويد المنطقة. بهذه الكلمات، يختتم الحاج محمد حديثه، وهو يحدّق في البعيد، كأنما يرى قريته تنهض من تحت الركام:
«يا دار، صبرك على الزمان انجار، لا بد من عودة، مهما طال المشوار.»
المرجع: القدس العربي